Loading...
Skip to Content

اعمار منظومة الظل

اعمار منظومة الظل

تفاصيل المشروع

النوع Articles

التاريخ مايو 22, 2017

المشاركه

اعمار منظومة الظل
لا أعرف كيف تبدو حلب اليوم! ولا أستطيع التخمين أيضاً، وعلى الرغم من كثرة المقالات والدراسات التي تناولت دمار هذه المدينة في الآونة الأخيرة، إلا أنه يبقى التخيّل صعباً. ولكن ما يمكن تخيّله هو كيف ستبدو هذه المدينة غداً في حال تم إعادة إعمارها بالشكل الذي يتم تداوله اليوم محلياً ودولياً.

وفي حال أردنا أن نعرف كيف سيتم إعادة إعمار مدينة حلب، فلا يتوجب علينا أن نعرف «ماذا في البرازيل وإيطاليا» كما اقترح حسني البورظان، بل علينا أن نعرف «من» سيقوم بإعادة إعمار حلب ووفق أية قوانين وأنظمة، خاصةً مع وجود العديد من الجهات الإقليمية والدوليّة وأصحاب المصالح المهتمة بإعادة الإعمار. وبالنظر إلى مناطق مختلفة تعرضت لحروب سابقاً، نرى أن إعادة الإعمار فيها كانت إما عن طريق الدولة أو الشركات الخاصة أو منظمات المجتمع الدولي والمحلي أو كلهم مجتمعين. وفي معظم الحالات يتم تجاهل رأي أو دور المجتمع المحلي في بناء شكل وهوية المدينة التي ينتمون إليها، ويتم تأطير احتياجاتهم لتتبع سياق العولمة السائد، من أبراج زجاجية عالية أو مراكز تجارية لا تنتمي بتصميمها لا للنسيج العمراني للمدينة ولا لثقافتها المحلية، مما يدفعنا للسؤال هنا، كيف يريد أهالي حلب إعادة بناء مدينتهم المهدمة؟

وبالطبع هذا السؤال لا يكون الجواب عليه بالأمر السهل لأنه إذا قمنا بأخذ رأي عشرة أشخاص بتصميم مبنى سكني سوف يقطنونه، فإننا سنحصل على عشرة إجابات مختلفة، فكيف بشكل وهوية مدينة بأكملها تعدّ الأكبر في سوريا، حيث بلغ عدد سكانها خمسة ملايين نسمة عام 2011.

لا يوجد حلول سحرية في إعادة إعمار المدن، ولا يوجد وجهة نظر وحيدة يجب تبنيها، ولكن هناك بعض الأسس الواجب أخذها بعين الاعتبار، أهمها السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية بين قاطنيها، عدالة مبنية على احترام حقوق جميع السكان والحرص على مشاركتهم في صنع القرارات من خلال نظام حوكمة فعّال، والعمل على توزيع الموارد بشكل عادل بين الجميع. ولا يوجد خلطة جاهزة لتنفيذ كل ما سبق وإنما هناك مفتاح لكل ذلك وهو تصميم نظام تشاركي أساسه الحوار والتفاوض في مجال التصميم العمراني، وتثقيل احتياجات جميع الأفراد بنفس المعيار مهما اختلفت مواقعهم، وتصنيفاتهم الاجتماعية أو حتى آرائهم السياسية، آخذين بعين الاعتبار أن حلب كأي مدينة سوريّة عانت على مر العقود من مشاكل عمرانية عديدة. أبرز تلك المشاكل هي السكن والإسكان، حيث أن توسع المدينة وتوفر فرص العمل في المدينة الصناعية الكبرى أدى إلى هجرات محلية كثيفة من الريف إلى المدينة، بالإضافة إلى عوامل أخرى مما أدى إلى تفشي ظاهرة السكن العشوائي ومناطق المخالفات كما حصل في دمشق وحمص وغيرها من المدن الكبرى في منتصف القرن العشرين، وإن نالت حلب الحصة الأكبر نتيجة لتركز العديد من الصناعات الأساسية فيها، حيث تجاوزت نسبة السكن العشوائي فيها 30% من نسيج المدينة حسب إحصائية عام 2007، 13% منها على شكل شقق سكنية، 35% بيوت تقليدية في حين أن 53% سكن مختلط عشوائي، مؤلف من طابق واحد أو عدة طوابق.

الخريطة توضح نسبة الدمار في مدينة حلب حسب تقرير UNITAR لعام 2016، وتوزع مناطق السكن العشوائي في المدينة اعتماداً على تقرير إياس الديري عن السكن العشوائي في سوريا عام 2007

وكما حصدت هذه المدينة يوماً النصيب الأكبر من نسبة السكن العشوائي، فإنها اليوم صاحبة النصيب الأكبر من الدمار العمراني نتيجة الحرب، وإن كان ثمة رابط ما بين أماكن السكن العشوائي ومواقع الصراع إلا أن هذا المقال ليس بصدد التعرض لأسباب هذا الرابط.

وبحسب تقرير UNITAR أحدث تقرير عن حالة الدمار في حلب، فإن مناطق السكن العشوائية هي أكثر المناطق تدميراً. ويرى الكثيرون أن هذه فرصة لإعادة بناء مدينة خالية من السكن العشوائي، ولكن هل خطر ببال هؤلاء الحالمين ب «اليوتوبيا» الحلبية أن السكن العشوائي لم يكن يوماً خيار قاطنيه وإنما واقعاً مراً فرضته سياسات عمرانية أجبرتهم على الخروج من منظومة المدينة وخلقت منظومة ظل موازية ضمن جغرافيا المدينة نفسها. مجتمعات بأكملها تكونت خارج منظومة المدينة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا تحديداً ما يجب أخذه بعين الاعتبار عند وضع أي قانون لإعادة صياغة مفهوم السكن المخالف، حيث لا يمكن أن نضبط إيقاع مجتمعات تعتبر خارج المنظومة بقوانين المنظومة نفسها التي لم تستطع التعامل معها بالأصل بل كانت سبب في ظهورها.

محاولات تنظيم السكن العشوائي

في أيلول 2012 صدر المرسوم الجمهوري رقم 66 القاضي بإعادة تنظيم منطقتين لسكن المخالفات في مدينة دمشق وريفها، والعمل الآن جاري في المنطقة الأولى المعروفة باسم بساتين خلف الرازي. على الرغم من بعض الثغرات العمرانية، فالمرسوم من حيث المبدأ يعتبر محاولة لإعادة تنظيم السكن العشوائي وتعويض كل ذي حق حقه، بحيث يلزم الدولة بتعويض السكان بسكن بديل في ذات المنطقة، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل والجهات الناظمة لها. ويعتبر هذا المرسوم الوحيد الناظم لأسس إعادة الإعمار بجوانبها المختلفة، بدءاً من ملكية الأراضي والمحاضر، إلى ضبط تبادل الأسهم العقارية وجداول السكن البديل وغيرها من الحيثيات، وسيتم اعتماده في بقية المحافظات، فكيف يمكن لهذا المرسوم أن يتعامل مع مخالفات حلب.

تعتبر المشكلة الحقيقية من بين المشاكل العديدة في تطبيقات المرسوم 66 هي طرق التصنيف الجديدة لسكان المخالفات الجماعية حيث يتم تصنيف ملكيتهم وآجارهم بناءً على قوانين كانت بالأصل السبب وراء خروجهم من المنظومة نفسها، حيث يشمل هذا المرسوم تعويض بعض السكان في حين يُقصي آخرين. هذه الحلقة المُفرغة بالضرورة ستعيد تشكيل مناطق مخالفات جماعية لمجموعة أقصيت مجدداً من المنظومة الجديدة التي لم تشملهم، وإن تشكلت هذه المرة أبعد عن المركز نتيجة محدودية الخيارات المتعلقة بالأراضي المتوفرة ضمن منظومة الظل الجديدة.

في استبيان للرأي قام به فريق مشروع حلب التابع لمركز «شاتاك للصراع والتفاوض والتعافي» ومقره بودابست، قام الفريق بجمع أجوبة لأسئلة عمرانية وقانونية عن واقع مدينة حلب، عبّر خلاله حوالي نصف المشاركين عن فقدانهم للأمل في استرجاع ممتلكاتهم، في حين أن حوالي 150 شخص أبدوا ضرورة مشاركة المجتمع المحلي بإعادة بناء مدينة حلب. وقد لا تكون نسب الأجوبة مهمة هنا بقدر أهمية الوعي العام لضرورة حفظ الحقوق ومشاركة كل صاحب حق في استرجاع حقه أو المساهمة في بناء مدينته. وهذا ما تم تأكيده بالبداية على ضرورة السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية في إعادة إعمار المدينة وإعطاء سكان العشوائيات كغيرهم الحق في التفاوض والحوار وأخذ القرار فيما يتعلق بأحيائهم المدمرة.

نعم، لا أعرف كيف تبدو حلب اليوم، لكن كيف ستبدو حلب غداً هي عملية طويلة الأمد تتطلب منا التفكير بآليات عمل للضم بدلاً من الإقصاء. آليات توقف سياسة الحلول الجاهزة التي أثبتت فشلها في احتواء جزء كبير من مجتمعنا السوري. ما نحتاجه هو التفكير بمانيفستو يستطيع وضع منظومة تشاركية لإعادة الإعمار مبنية على أسس العدالة الاجتماعية، حيث تحفظ مجالاً للمناورة والتحاور لتغذية هذه المنظومة بشكل متجدد.

لن تبنى هذه المنظومة بين يوم وليلة لكنها ستحتاج إلى وقت طويل وخبرات السوريين في كل مكان على سطح المعمورة، ويا ليت حسني البورظان على قيد الحياة ليرى بأننا أصبحنا نعرف ما يجري في البرازيل وايطاليا وألمانيا وحتى اليابان ولا نعرف مايجري حقيقةً في حلب ودمشق وحمص.

نشرت هذه المقالة في موقع النبض بتاريخ ٥.٢٥. ٢٠١٧